كان
شابا ً مسيحيا ً طيب القلب ، نشأفى عائلة متدينة سكنت
إحدى قرى محافظة المنيا .. و كان مثال الطاعة و الأخلاقالطيبة ، و قد حصل على درجات عالية فى الثانوية العامة
أهلته للإلتحاق بكلية الطببالقاهرة ..
كان ذلك
فى بداية الخمسينات من القرن الماضى ، و رغم ضيق حال الأسرة وقلة مواردها ، إلا أنهم أصروا أن يسافر إبنهم
إلى القاهرة ليكمل دراسته .
صحبته أخته الكبرى و
أستأجرا فى الجيزة حجرة صغيرة يعيشان بها . و إنتظم فىدراسته و كانت الأسرة تقتطع من معيشتها و ترسل لهم ثلاث
جنيهات كل شهر للمسكن والإعاشة علاوة على
مصاريف الجامعة ، و كان هذا يمثل عبئا ً على الأسرة و لكنهمكانوا يشكرون الله و ينظرون إلى مستقبل إبنهم
، و هكذا كانت معظم عائلات الأقباط فىتعليم أولادهم .
أرتبط
بالكنيسة فى الجيزة إرتباطا ً شديدا ً ، إذوجد فيها كما يقول المزمور " العصفور وجد بيتا و
اليمامة عشا لتضع أفراخها .. مذابحك
يا رب الجنود .. طوبى للسكان فى بيتك " ، فواظب على القداسات و الإجتماعات . و وجد فى بيت أبنا المتنيح القمص صليب سوريال
نعم الأب الحنون فألتصق به إلتصاقا ًعجيبا ً يستشيره فى كل صغيرة و كبيرة ، لا يخطو خطوة
واحدة دون أخذ نصيحته الأبوية . مضت
شهور و بدأ يتأقلم مع حياته الجديدة فى الجامعة و الكنيسة . و كان كثيرالصلاة كثير الشكر .. و كانت حوالة مالية
تأتيه كل شهر من الأسرة بالصعيد .
فى أوائل أحد
الشهور إنتظر كعادته أن تصل الحوالة بالبريد فلمتأتى .. إنتظر يومين .. ثم إسبوع .. لا شىء .. الموارد
التموينية فى البيت تنقص ،قاربت على النفاذ .. لا
يوجد منفذ آخر ، فهو لا يعرف قريب له فى القاهرة و يستحى أنيطلب من أحد شيئا ً فهو خجول جدا ً ، ثم من
يعطيه ؟بدأ هو و أختهيقتصدان فى الطعام القليل الباقى عندهم مع
مواظبة و إلحاح فى الصلاة و الطلبة .
ثم نفذ كل ما عندهم
تماما .. اصبحا لا يملكا حتى رغيف خبز واحد . فضاقالأمر بالأخت ، و بينما هو خارج فى الصباح فى طريقه إلى
الجامعة ،
قالت
له: " إعملحسابك لا ترجع إلى البيت دون أن تتصرف حتى لا
نموت جوعا ً " . رفعبصره إلى السماء .. و فى طريقه إلى الجامعة
سيرا ً على الأقدام – إذ كان المسكنقريبا ً من الجامعة – إنهمر فى البكاء و هو يصلى و يقول :" أنت تقوت فراخ الغربان التىتدعوك .. أنت تفتح يدك فتشبع كل حى رضى من غناك ".. ثم صلى المزمور " يستجيب لك الربفى يوم شدتك " حيث كان يجد عزاءا ً
كبيرا ً فى كلماته .
كان متحير ماذا يفعل ؟ وصار يطلب بقلب كسير
مشورة الله .
هل يذهب
إلى الجامعة و يسأل أحد زملائه عن سلفة ؟
هل يرسل
تلغراف إلى أسرته .......و لكن من أين له ثمن التلغراف ؟
أخيرا ً
خطر على باله أنيذهب إلى أبونا صليب
يطلب منه ، إنه أمر محرج جدا و لكن ما هو البديل ؟ وصل و هو فىهذه الأفكار إلى ميدان الجيزة . وقف فى وسط
الميدان كمن هو فى مفترق الطرق .. إلىأين يتجه ؟
رفع
بصره إلى السماء ثانية و دموعه فى عينيه و هو يقول إلى متى يا رب ؟
فلما خفض بصره ، إذ ورقة تطير تدفعها الريح
.. طارت الورقة حتى إرتطمت برجله وإلتصقت بالبنطلون ..
إنحنى ليزيحها عن رجله ..
و يا للمفاجأة المذهلة للعقل ، بلالتى تفوق العقل ، إنها ورقة مالية .. جنيه .. لم يصدق
عينيه و كأنه أصابه ذهول إلىلحظة . ربما طار هذا
الجنيه من أحد ، أمسك الجنيه بيده ، رفعه إلى فوق لعل الذى طارمنه يأتى ليأخذه .. و لكن لم يأتى أحد . ظل
واقفا ً رافعا ً يده ممسكا ً بالجنيهإلى دقائق .. لم يقترب إليه أحد ، و هو يكاد يصرخ لقد
إستجاب الرب فى الحال بطريقةمعجزية . خشى أن يقف
أكثر فيقول الناس عنه إنه معتوه .
شكر اللهبعمق رهيب . لم يعد يتحكم فى دموعه ،
العبارات فى فمه مكتومة لأن القلب فائض بشكرلا يُعبر عنه . أكمل مسيرته ، إلى أين ؟ إلى الكنيسة ،
"لابد أن أدفع العشور ،" هكذاقال لنفسه . ذهب إلى
دكان البقال ، إشترى بعض الضروريات و إتجه إلى الكنيسة ليضععشرة قروش فى صندوق الكنيسة .
و فيما هو داخل إذ بأبونا صليب فى مقابلته ، رآه علىهذه الحال ، إحتضنه بمحبة و سأله " ماذا
بك يا إبنى ؟ "
قص عليه
أحواله بالتفصيلإلى أن قال له " و
أنا قادم الآن لأدفع العشور " فقال له أبونا " عشور أيه يابنى ،أستبقىلنفسك هذه القليلة إلى أن يأتى الرب بالفرج " و
لكنه أصر قائلا ً " يا أبىأرح ضميرى و أسمح لى
" .
تعجب
الأب من هذا الإيمان العجيب ، و تركه يفعل ما شاء ،توجه إلى بيته يمجد الله و يحكى لأخته صنيع الرب العجيب
، و من يومها لم يعد الأخمعتازا ً إلى شىء إذ
كانت بركة الرب معه . تخرج من كلية الطب و صار و هو طبيب كماكان و هو طالب محبا ً للعطاء بسخاء ، حنونا ً
على الفقراء إلى أقصى حد . و قد أدركالرب هذا الأخ ببركات لا تعد و صنع معه آيات لا حصر لها.