في إحدى الليالي الحالكة الظلام
حين كان تهريب البضائع شائعاً على
سواحل بريطانيا، كانت سفينة مشحونة تبغاً مهرباً تسير سيراً ثقيلاً
نحو شاطئ
انجلترا. وكان
القبطان على ظهرها يتمشى قلقاً ممعناً نظره نحو الأفق الشرقي وقد لاحت تباشير الصبح. وما لبث أن نادى معاونه وأخذ
يتكلم معه بما
لا مزيد عليه من
الاضطراب. وكان الداعي إلى ذلك أن ما لاح لعينيه منذ نصف ساعة قد اتضح الآن وظهر أنه أحد مراكب الحكومة الجائلة للتفتيش
عن السفن
المشحونة بضائع
مهربة.
وحينئذ ساد الخوف جميع من في السفينة ونشر كل ما فيها من القلع. ولكن
بالرغم من
هذا كله رأوا أن مركب
الحكومة يفوقهم في سرعة المسير وأنه لا بد من وقوعهم في قبضته، ولم يكونوا يجهلون أنه إذا قُبض عليهم وأُمسك التبغ
من سفينتهم
فعقابهم الموت لا
محالة.
وحينئذ أمر القبطان أن يسرع جميع النوتية
بالنزول إلى عنبر السفينة حيث التبغ وبطرحه
بالة بالة إلى البحر. وهكذا فعلوا حتى لم تبق بالة واحدة منه، وإذ ذاك نادى القبطان أحد رفاقه
قائلاً له «اصعد إلى السفينة وأخبرني ماذا ترى من جهة ذلك المركب» فصعد بما لا مزيد عليه من السرعة ونزل
راجعاً ووقف
أمام سيده خائفاً
مذعوراً لا يبدي نطقاً. فألح عليه القبطان بالكلام فقال «لم
تغرق!» فصعد القبطان إلى فوق ونظر فرأى بالات التبغ عائمة الواحدة بجانب الأخرى في خط واحد على
مسافة ساعة.
فمن يقدر أن يصف جزع
ويأس أولئك المنكودي الحظ في تلك الساعة الرهيبة؟ فهل كانوا يستطيعون بعد هذا أن يحاموا عن أنفسهم وهذه البالات كلها شاهدة
عليهم؟
فتفتيش هذه السفينة بأمر الملك ووضوح
الجناية والحكم بالإعدام واستحالة النجاة. كل هذه يذكرنا ولا ريب بملك آخر يفتش قلوب كل بني البشر
وبموت آخر للنفس الأثيمة
واستحالة النجاة، بينما الخطيئة كالتبغ المهرب يثقل على النفس.
فيا أيها القراء الأعزاء! هل شعرتم
بأنكم حاملون أثقالاً؟ وهل أخذتموها إلى المسيح متذكرين أن «الرب وضع عليه إثم جميعنا»؟ فهو حينئذ
يأخذ حمل الخطيئة
الثقيل ويطرحه. أين؟
هل على وجه المياه لكي يعوم
ويشهد علينا؟
كلا. «يَعُودُ يَرْحَمُنَا،
يَدُوسُ آثَامَنَا، وَتُطْرَحُ فِي أَعْمَاقِ لْبَحْرِ جَمِيعُ خَطَايَاهُمْ» (مي 7:19)