هل خلصت..أم لم تخلص ؟؟
قال لي أحد الشبان : بماذا أجيب إن سألني شخص قائلا : هل خلصت أم لم تخلص ؟؟؟
أولا يجب أن تدرك أن من يسألك هكذا ليس أرثوذكسيا خالصا ، لابد أن يكون بروتستانتي المذهب ، أو على الأقل بروتستانتيا في بيئته وثقافته ، لأن الذي يتجاهل معموديتك وما نلته من الأسرار المقدسة ، ويلقي في نفسك الشك في إيمانك ، ويدعوك من الآن إلى الإيمان والخلاص كما لو كنت وثنيا في حياتك السابقة !! مثل هذا لا يمكن أن يكون أرثوذكسيا خالصا..فلغته تظهره .
أما الإجابة على سؤاله فهي : نعم ، إني خلصت في المعمودية من الخطية الأصلية ، الخطية الجدّية الموروثة . نلت هذا الخلاص الأول بدم المسيح وفاعليته كفارته وفدائه ، أما الخلاص النهائي ، فنناله بعد أن نخلع هذا الجسد . إننا ما نزال في حرب ، " .. ومصارعتنا ليست مع دم ولحم ، بل مع ...أجناد الشر الروحية " ( أف 12:6 ) ، وسننال الخلاص عندما نغلب ننتصر في هذه الحرب .
وطالما في الجسد ، لا نستطيع أن نقول أننا إنتصرنا وخلصنا... لذلك فالكنيسة المقدسة لا تعيّد للقديسين في يوم ميلادهم الجسدي ، ولا في يوم إنضمامهم إلى الكنيسة ، وإنما في يوم نياحتهم أو إستشهادهم ، عملا بقول الكتاب " أنظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثلوا بإيمانهم" ( عب 7:13 ) ، وهكذا في مجمع القديسين في القداس الإلهي ، نذكر نفوس جميع الأبرار الذين كملوا في الإيمان ، أو إكتملت حياتهم في الإيمان...
نذكر هنا قصة نياحة القديس العظيم الأنبا مقاريوس الكبير ، الذي طاردت الشياطين روحه بعد خروجها من الجسد ، قائلين له " خلصت يا مقارة " . وكيف أنه لم يقل لهم " نعم ، بنعمة المسيح خلصت " إلا بعد أن دخل الفردوس .
لتكن إجابتكم من إيمان الكنيسة :
إن سئلتم سؤالا عقيديا ، فلا تجيبوا مطلقا معتمدين على فكركم الخاص أو فهمكم الخاص . فقد قال الكتاب " على فهمك لا تعتمد " ( أم 5:3) .
أنت إبن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ، جاوب إذن بإيمان الكنيسة القبطية الأرثوذكسية . إيمانها كما يظهر في كتبها الكنسية المعترف بها ، وكما يظهر في أقوال آبائها ، وفي قوانينها وتقاليدها .
وسأنظر الآن إلى كتابين هامين من كتب الكنيسة هما الخولاجي المقدس والأجبية ، وأرى ماذا يعلماننا في موضوعنا هذا...
إنك تصلي كل يوم في صلاة الغروب وتقول : " إذا كان البار بالجهد يخلص ، فأين أظهر أنا الخاطئ " . " إحسبني يا رب مع أصحاب الساعة الحادية عشرة ، لأني أفنيت عمري في اللذات والشهوات ، وقد مضى مني النهار وفات " . " لكل إثم بحرص ونشاط فعلت ، ولكل خطية بشوق وإجتهاد إرتكبت ، ولكل عذاب وحكم إستوجبت " .
هل في عبارة واحدة من كل هذا ، ما يدل على أنك قد خلصت وضمنت الملكوت وإنتهى الأمر..أم هي صلوات من نفس منسحقة معترفة بخطاياها ، معترفة بأنها تستحق العقوبة ، طالبة الرحمة من الرب ؟؟...
بنفس هذا الإنسحاق تقف أمام الله في صلاة النوم وتقول " هوذا أنا عتيد أن أقف أمام الديان العادل مرعوب ومرتعب من أجل كثرة ذنوبي ، لأن العمر المنقضي في الملاهي يستوجب الدينونة . لكن توبي يا نفسي ما دمت في الجسد ساكنة....." وتوبخ نفسك قائلا : " إذا إنكشفت أفعالك الرديئة وشرورك القبيحة أمام الديان العادل ، فأي جواب تجيبي ، وأنت على سرير الخطايا منطرحة وفي إخضاع الجسد متهاونة ؟!
إنه إنسحاق العشار الواقف أمام الله في ذلة ، وليست كبرياء الفريسي....إننا لا نقف كأبرار قد تجددوا وتقدسوا ، ونالوا الخلاص ، وضمنوا الملكوت ، إنما في كل صلاة نعترف بإستحقاقنا للديونة ونطلب الخلاص....
وهكذا في صلاة " تفضل يا رب " في صلاة النوم ، يتضرع كل منا قائلا : " أنا طلبت إلى الرب وقلت : إرحمني وخلص نفسي ، فإني أخطأت إليك ، إلتجأت يا رب إليك ، فخلصني ، وعلمني أن أصنع مشيئتك " .
وصلاة الساعة السادسة نستهلها بقول المزمور " اللهم بإسمك خلصني ( مز 1:53 ) ، ونقول فيها : " مزق صك خطايانا ، أيها المسيح إلهتا ونجنا " .
وهكذا تعلمك الكنيسة أن تتضرع إلى الرب كل يوم أن يمزق صك خطاياك ، مختتما هذه القطعة من الصلاة بقولك : " كلامي أقوله ، فيسمع صوتي ، ويخلص نفسي بسلام " .
إنك نلت خلاصا في المعمودية من خطيئتك الأصلية ، ومات إنسانك العتيق ، عندما مت مع المسيح ودفنت معه ، ولكنك مع ذلك ما تزال تخطئ كل يوم ، وإن قلت أنك لا تخطئ تضل نفسك ولا يكون الحق فيك ( 1يو 8:1 ) .
أنت تخطئ كل يوم ، وأجرة الخطية الموت ، إذن أنت معرض للموت كل يوم ، وتحتاج في كل يوم إلى الخلاص ، تحتاج إلى دم المسيح يوميا ليطهرك من كل خطية . لذلك تحتاج بإستمرار إلى أن تعترف بخطاياك ، وتتوب ، وتتناول من جسد الرب ودمه الذي " يعطي عنا خلاصا ، وغفرانا للخطايا ، وحياة أبدية لكل من يتناول منه " حسبما تعلمنا صلوات القداس الإلهي .
إنه خلاص إذن يتجدد بإستمرار ، تطلبه كل يوم ، وتأخذه في كل توبة ، وفي كل تحليل يصليه الكاهن على رأسك ، وفي كل تناول من جسد الرب ودمه .
( من كلمات قداسة البابا شنودة الثالث....نقلا عن مجلة رسالة المحب